اليوم الآخر
هاشم محمدعلي المشهداني
ملخص الخطبة
1- أسماء يوم القيامة. 2- عدل الله وحكمته يقتضي القيامة. 3- تستقيم حياة الإنسان حين يؤمن بيوم القيامة. 4- حقائق وأهوال في يوم القيامة. 5- ايمان المسلم بيوم القيامة.ب
الخطبة الأولى
أ فحسبتم إنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا
ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش
الكريم [المؤمنون:115].
اعلم أن الحق سبحانه منزه عن العبث في أفعاله
وأحكامه وأوامره وانتهاء الحياة الدنيا دون رجعة
إلى الله للحساب قمة العبث، لذا كان الإيمان باليوم
الآخر ركن ومنكره كافر، فما اليوم الآخر؟ ولماذا؟
وما حقائقه؟ وما موقف المسلم منه؟
اليوم الآخر: هو يوم الجزاء، وهو يوم الحساب، وهو
الحياة الثانية بعد الموت وإقامة العدل الرباني
بين الخلائق.
وينبغي أن تعلم:
أن الإيمان باليوم الآخر لا ينفك عن الإيمان بالله تعالى
ومنكره كافر، وهو ركن من أركان الإيمان.
للحديث: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله
وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره))( [1]).
وقد سمى الله تعالى اليوم الآخر بأسماء تدل على ما
يجري فيه من حقائق وأهوال منها:
يوم الدين: لأن فيه إدانة الخلق ومجازاتهم على
أعمالهم: مالك يوم الدين [الفاتحة:3].
يوم الخروج: لأن فيه خروج الناس من قبورهم إلى
الحياة الأخر: ذلك يوم الخروج [ق:42]. يوم
الحسرة لأن فيه حسرة الكافرين والعصاة على ما
فرطوا في جنب الله: وأنذرهم يوم الحسرة [مريم:39
].
الدار الآخرة: فهي دار غير هذه الدار تأتي بعد
الموت( [2]).
القارعة: لأنها تقرع القلوب بأهوالها: القارعة ما
القارعة وما أدراك ما القارعة [القارعة:1-2
].
وأما لماذا اليوم الآخر؟ فلا بد من اليوم الآخر:
حتى لا يمضي الظالم من غير عقاب والمظلوم من غير عوض،
قال تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن
يعمل مثقال ذرة شرا يره [الزلزلة:7-8].
وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما
[طه: 111].
ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس
شيئا [الأنبياء:47].
وحتى لا يستوي المؤمن بالكافر والمجرم بالتقي، قال
تعالى: أ فنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف
تحكمون [القلم: 36-37]. أم حسب الذين اجترحوا
السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات
سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون [الجاثية:21].
وحتى تتفجر ينابيع الخير في النفس الإنسانية
استعدادا لذلك اليوم العظيم فيبر الولد بوالده،
وتطيع الزوجة زوجها، ويحترم المسؤول رعيته ويعدل،
ويمسك التاجر عن الحرام والربح الفاحش، وينفق
الغني من ماله على المحتاجين، قال تعالى: ويطعمون
الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما
نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا
نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا [الإنسان:9-10
].
ولأن النفس الإنسانية تختلف في بواعثها على الخير كما
ذكر الإمام النووي، فمن الناس من يحرك جوارحه
للطاعة الرغبة في الجنة وما أعد الله فيها لأوليائه،
ومنهم من تفزع جوارحه للطاعة بسبب الفزع من
العذاب الأليم الذي أعده الله للمعرضين، ومنهم من
وافقوا الحق في مراده لمعرفتهم به وتلك عبادة
الأحرار، لذا كان رسول الله يقوم الليل حتى تتفطر
قدماه فتقول عائشة رضي الله عنها: ألم يغفر الله لك
ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: ((أفلا أكون
عبدا شكورا)).